معوقات التحول من المدرسة التقليدية الى مدرسة الجودة

للدكتور ابراهيم الحسين مستشار الجودة بجامعة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية بالأحساء




إن معوقات التحول من المدرسة التقليدية إلى مدرسة الجودة تنقسم الى نوعين من المعوقات معوقات داخلية ومعوقات خارجية

أولا : المعوقات الداخلية:
يقصد بالمعوقات الداخلية تلك التي تكون جذورها ناشئة من داخل المدرسة وأهم هذه المعوقات هي كالآتي :

1. قلة التزام مدير المدرسـة بالجودة:
تبدأ رحلة التحول نحو الجودة في المدرسة بقرار من إدارة المدرسة، لكن الالتزام يمتد مباشرة ليشمل جميع العاملين فيها(إداريين – معلمين- الطلاب - عاملين )، الحقيقة إن كل واحد من هؤلاء يمكن أن يضع العصا بين العجلات ويعيق نجاح التحول نحو الجودة في المدرسة، فجميع العاملين من إداريين ومعلمين وحتى الطلاب- يرون التناقضات، بمعنى إنهم يرون ماذا يقول مديرهم وماذا يفعل في حقيقة الأمر، هم سيفقدون الثقة بالجودة في حالة وجود التناقضات والقرارات الارتجالية الغير مبنية على الحقائق 0

2. تدني القابلية الداخلية لتطوير الثقافة التنظيمية للمدرسة :
بعد تجارب العديد من المدارس في تطبيق إدارة الجودة على صعيد الدول الأجنبية أو العربية أصبح بدهياً القول بأن الثقافة التنظيمية للمدرسة إما أن تعيق أو تدعم جودة التعليموكذلك اجمع الباحثين في الجودة على أن تغيير الثقافة التنظيمية للمنظمة لتتوافق مع فلسفة إدارة الجودة مسألة ليست سهلة وهي تحتاج إلى إرادة التغيير والصبر على النتائج لأنها مرتبطة بالعنصر البشري وطرائق تفكيره وأنماط سلوكه، ومن أبرز المعوقات التي تقف أمام تطوير الثقافة التنظيمية للمدرسة هو الخوف من التغيير، وقيادة المدرسة عليها المسؤولية لإزالة هذا الشعور، والبداية تكون من خلال تحسين العلاقات بين من هم في مهام قيادية وبين جميع العاملين0

3. اختلاف التصورات لتطبيق الجودة في المدرسـة :
إن الاختلاف في تحديد ماهية مفهوم الجودة في التعليم أدى إلى نشوء اختلاف في التصورات حول التطبيقات العملية للمفهوم في المدارس، فعلى سـبيل المثال أدى تطبيق نظام " ISO" في المـدارس إلى مقاومة لتطبيـق النظام(Bryan R.cole,2002)، وهناك أسباب عديدة لذلك من أهمها أن المعلمين لم يشعروا بملاءمة هذا النظام للتعليم داخل الفصول الدراسية والمدارس التي حصلت على شهادة المطابقة " ISO" لم تبين قدرة طلابها على منافسة المدارس الأخرى التي لم تحصل على نفس الشهادة .

4. تقنيات القياس غير المؤثرة :
إن استخدام تقنيات قياس غير مؤثرة في المدرسة ستؤدي إلى نتائج غير حقيقية سواء كانت النتائج ايجابية أو سلبية. تحتاج الجودة إلى اتخاذ القرارات بناء على بيانات وحقائق صحيحة، وفي حال استخدمت المدرسة بيانات خاطئة يكون للاحساسات أو التخمين دور في جمعها ستؤدي القرارات المبنية على هذه البيانات إلى تدني الجودة، بمعنى أخر سيؤدي الأمر إلى تدني رضا المستفيدين
وتمثل الاختبارات القياسية في المدارس إحدى أشكال تقنيات القياس غير المؤثرة من منظور
إدارة الجودة باعتبارها " تفتيش " والمنتجات التي تأتي نتيجة التفتيش تأتي متأخرة ومتدنية الجودة وستكون مكلفة من حيث الوقت والمال والجهد الإنساني.
وإذا أردنا أن نحسن مخرجات نظامنا التعليمي علينا أن نهتم بعمليات التعلم والتعليم وعلى التقييم المستمر لأداء الطالب ( portfolio) وليس على إنجازاتهم في الاختبارات التي أدت إلى نشوء ثقافة تعلم تقليدية تركز على القراءة من أجل الاختبارات، لذلك يلجأ الطلاب إلى الحفظ والاستظهار دون الاهتمام بالمستويات المعرفية والوجدانية والمهارية. وهناك تقنيات قياس غير مؤثرة أخرى في المدرسة على سبيل المثال الأدوات التقليدية التي يستخدمها المرشد الطلابي لملاحظة سلوكيات الطلاب وأداة التقييم الوظيفي لمدير المدرسة والمعلمين جميع هذه الأدوات وغيرها تؤدي إلى نتائج خاطئة والتي تؤدي إلى إعاقة الجودة في المدرسة .

5. قلة انتباه المدرسة إلى المستفيدين الداخليين والخارجيين :
عندما تعمل المدرسة بعيداً عن تطلعات المستفيدين فإنها بذلك تحرم نفسها من فرص التحسين التي يقدمها المستفيدين .
تفترض المدرسة التقليدية إنها تعرف احتياجات وتطلعات المستفيدين وتقوم بتخطيط وتنفيذ وتقويم جميع برامجها بناء على افتراضاتها المسبقة الأمر الذي يؤدي إلى مخرجات لا تحقق رضا المستفيدين لأنها لم تبنى أساساً على احتياجاتهم وتطلعاتهم ولم يكونوا شركاء في أي مرحلة من مراحل العمل، من هنا نستطيع أن نفسر سبب تدني دافعية الطلاب للتعلم أو المعلمين للتعليم أو تدني رضا أولياء الأمور وإحجامهم عن حضور برامج وأنشطة المدرسة أو دعمها.
لذلك فإن قلة انتباه المدرسة للمشكلات التي يواجهها المستفيدين الداخليين (الطلاب –المعلمين- جميع العاملين بالمدرسة) أو المستفيدين الخارجيين (أولياء الأمور – المجتمع المحلي – المدارس الأخرى) تؤدي إلى زيادة اتساع فجوة الأداء بينها وبين المستفيدين، ومن المهم ذكره هنا أن تدني دافعية الإنجاز عند المستفيدين الداخليين يؤدي حتما إلى تدني رضا المستفيد الخارجي.
والذي يعيق الجودة في المدرسة في هذا المجال قلة عناية إدارة المدرسة بالتغذية الراجعة من المستفيدين، لذلك فأن أزمة المدرسة التقليدية لا تتمثل في عدم قدرتها على حل المشكلات بل لأنها لا ترى هذه المشكلات أساساً، فقلة اهتمامها بالمستفيدين وتمركزها حول ذاتها يصيبها بالعمى الوظيفي الذي يحجب عنها رؤية منافع التحول نحو الجودة .

6. اعتبار منسوبي المدرسة أن الجودة برنامج يضاف إلى أعمالهم :
إن الممارسات غير المدروسة التي تهدف من خلالها المدرسة للترويج للجودة، لها دور هام في إعاقة التحول ونجاح الجودة في المدرسة، فالشعارات والخطابات التي تستخدمها إدارة المدرسة لإبلاغ منسوبيها بالاستعداد لتطبيق الجودة ستنتج مقاومة للتغيير عند المعلمين وجميع العاملين في المدرسة، وهذا رد فعل طبيعي لتشكل قناعات لديهم بأن الجودة برنامج جديد سيدخل المدرسة، و المعلمين في الحالات الطبيعية يطلبون تخفيض نصابهم من الدروس لتخفيض ضغوط العمل وعبء التدريس، فكيف يتم إدخال برامج جديدة تتطلب منهم أعمال إضافية ....!.
من أهم متطلبات نجاح التحول نحو الجودة أن تقوم المدرسة بنشر فلسفة الجودة وتطبيقاتها ضمن الأنشطة المدرسية الاعتيادية وبشكل تدريجي لأن الجودة ليست برنامج أو قطعة أثاث ندخلها إلى المدرسة بل هي ثقافة تعلم وحياة تنشأ من داخل المدرسة .

7. قلة التعلم والتدريب:
نجاح الجودة في التعليم يحتاج إلى مدرسة دائمة التعلم ، مدرسة توفر بيئة ملائمة تدعم تنمية قدرات ومدارك طلابها ومعلميـها وجميع العاملين فيها، حتى تنمو أسـاليب التفكير الإبداعي والعمل الجمـاعي والحماس للإنجاز وفق مبدأ " دائماً نحو الأفضل"، وذلك لتحقيق مخرجات عالية الجودة تحقق رضا جميع المستفيدين من منتج التربية والتعليم .
وتنطوي أهمية التدريب والتعلم في المدرسة باعتبارها مؤسسة قائمة على إبداع العنصر البشري، لذلك فمسألة التنمية المهنية في المدرسة هي بمثابة موطن القلب لجودة أدائها. ويشير اشيكاوا "Ishikawa" أحد رواد الجودة اليابانيين إلى أن 90% من المشاكل يمكن أن تحل من خلال التدريب والتعلم على استعمال تقنيات الجودة وغيرها من الأدوات.

ومن أهم مؤشرات قلة التدريب والتعلم في المدرسة والتي تعيق التحول نحو الجودة هي كالآتي :

أ- اعتماد المعلمين على أساليب التدريس القائمة على التلقين والحفظ والاستذكار.
ب- الجهد الأكبر في العملية التعليمية على المعلم وهذا لا يتوافق مع فلسفة الجودة في التعليم التي تركز على أن يكون للمتعلم الدور الأكبر في عملية تعلمه بمعنى أن يكون الطالب مسئول عن تعلمه .
ت- غياب بعض المهارات الأساسية وأمية الكمبيوتر وغياب التعامل مع التقنيات الحديثة على مختلف أنواعها من قبل المعلمين والإداريين وغياب مثل هذه المهارات يؤدي إلى تدني مستوى أداء المدرسة لأسباب من أهمها تأخر الإنجاز بسبب الاعتماد على أساليب العمل التقليدية .
ث- غياب المهارات الهامة التي يتطلبها عصر المعلومات مثل (التعلم الذاتي – حل المشكلات – مهارات التواصل على مختلف أنواعها- كيف نتعلم – حل النزاعات ..الخ ) والتي يجب إكسابها للطلاب .
ج- تدني دافعية المعلمين وجميع العاملين بالمدرسة لحب الاستطلاع والبحث عن الجديد في تخصصاتهم الأكاديمية أو أساليب التدريس الحديثة لاعتقادهم بقلة جدواها أو ليس لديهم الوقت الكافي للقراءة والبحث .

8. التخطيط غير الصحيح للتحول نحو الجودة في المدرسـة :
الجودة ليست نتاج الصدفة بل نتيجة للجهد الذكي والحماس والتخطيط، لذلك فغياب خطة للتحول نحو الجودة في المدرسة يعوق النجاح ويتسبب هدر في الوقت والجهد والموارد المادية. ومن أهم مؤشرات التخطيط غير الصحيح للتحول نحو الجودة في المدرسة هي الآتي :
أ- المدرسة لا تعرف من أين تبدأ للتحول نحو الجودة .
ب- رؤية ورسالة المدرسة غير واضحة لمنسوبيها وللمستفيدين الخارجيين .
ت- قلة وضوح الأهداف التي تريد المدرسة تحقيقها .
ث- مسؤوليات العمل غير واضحة لجميع العاملين بالمدرسة ليأخذوا زمام المبادرة للتحول نحو الجودة .
ج- عدم تحديد سلوكيات العمل المتوافقة مع فلسفة الجودة التي من شأنها أن تدفع بأداء المدرسة نحو الجودة .
ح- اعتقاد منسوبي المدرسة بأن الجودة تنجح في الصناعة وليس في التعليم :
أدى ارتباط مصطلح " الجودة " بالمنتجات الصناعية لفترة طويلة إلى تشكل تصورات لدى الكثيرين على أن الجودة فلسفة وأدوات تستخدم في المصانع وبالتالي لا تصلح لتحسين أداء المدرسة، ويمكن لهذه التصورات أن تعيق اقتناع المعلمين والعاملين بالمدرسة للتحرك نحو تبني مبادئ الجودة، وتنشأ بالتالي ثقافة عمل مقاومة للتغيير الأمر الذي يتطلب من إدارة المدرسة الوعي بهذا الأمر وعليها أن تقوم بنشر ثقافة الجودة بصورتها الصحيحة في المدرسة يركز فيها على أن نظام الجودة المعمول به في الصناعة ليس هو ذاته نظام الجودة الذي ستعمل به المدرسة